Thursday, April 9, 2009

هُـــنا بــَغـــــــداد


هنا بغداد

حيثُ الدمعُ لا يَنْضُب

ولا تَنْضُب مع الدمعِ شموسُ الفكرِ والأمجاد

هنا بغداد

..

هنا تاريخُ كلِّ النخل

منذُ سُقوطِ هولاكو وحتى ثورةِ الأعثاقِ

والتَّمرِ المخبّأ في لَهى الأجداد

هنا بغداد

..

هنا شَمَخَتْ جِباهُ السُّمر

وانطَبَخَتْ عُروقُ الصَّبر

واختَنَقَتْ سِنينُ القهرِ، فوقَ القهرِ فوقَ القهرِ

رغمَ تعاقبِ الأوغاد

هنا بغداد

..

هنا حيثُ الدروبُ تَئِنُّ ملحمةً

مُشرَّدَةً ومُعدَمَةً .. ومُلهَمَةً،

كجِلجامِشْ وأنكيدو

فإكسيرُ الحياةِ هنا تجلّى يرفُضُ الأضداد

هنا بغداد

..

هنا مرّتْ سِنينُ العُمر

هادئةً كطعمِ الفجر

واسعةً كقاعِ البحر

يملؤها حنينُ الأهلِ، دفءُ الصيفِ

زادُ الضيفِ يملؤها،

وتملؤها شناشيلٌ تدلّى منها حرفُ الضاد

هنا بغداد

..

هنا حيثُ الرَّصافةُ إن غَفَتْ عِشقا

تُغازِلُها عُيونُ الكَرخِ والجِسرِ

والعشّاقُ صاروا في هوى العشّاقِ

يَغلي العشقُ في دمِهِم كغلي الشايِ في الجمرِ

وليلُ الياسمينِ المختفي في النخلِ،

والسُّمّاقِ والشِّعرِ

ونَكهتُهُ أبو نَوّاسُ

في البُنيِّ، في القَطّانِ، في النَّهرِ

فسِحرِي منكِ أعرِفُهُ،

وما من بابلٍ سِحري

وأكمامٌ منَ السَّيَّابِ تبكي ساحةَ الفِردوسِ

والشهداءِ

والتحريرِ

والأعياد

هنا بغداد

..

هنا أمواجُ دَجلةَ ترتَوي عَطَشا

فلا تَعطشُ ولا تُروى

ولا من غيرِنا تُهوى

ولا تُحصى قوارِبُها

ولا نسماتُها تُحوى

وتَبتَلِعُ الحجارةَ وهيَ باسِمةٌ

إذا ما لاعَبوها صيفاً الأولاد

هنا بغداد

..

هنا تلكَ الجسورُ تمُدُّ فوقَ النهرِ أذرُعَها

كأمٍ قد حَنَتْ شوقاً تُكَفْكِفُ قَطْرَ أدمُعِها

كعاشقةٍ تَوسَّدَ بينَ جنبيها حبيبٌ لفَّ أضلُعَها

كأقراطٍ منَ الياقوتِ صُفَّتْ فوقَ ثوبِ حداد

هنا بغداد

..

هنا حيثُ الكرامةُ في بقايا الخبزِ نأكُلُها

وبينَ ملاعبِ الأطفالِ نَعقِلُها

ونحمِلُها ..

بملحِ الدَّمعِ نحمِلُها

بصَنفِ الدّمِ

بطَعمِ الهمِّ

تحتَ الجِلدِ نحمِلُها

كأوراقٍ مجفَّفَةٍ إلى التاريخ

فيَكتُبُ، والدموعُ مِداد

هنا بغداد

..

هنا دارُ القصيدِ ودارُ ليلى والمثنَّى والكَرَم

يا دارَ شِعري أقبِلي، سيفٌ ورُمحٌ وقَلَم

تَروي الشموسُ حضارةً عنها وتعرِفُها القِمَم

كجَزيرَةٍ أزليَّةٍ بركانُها عَذبُ الحِمَم

كرِوايةٍ غزليَّةٍ أبطالُها قلمٌ وفمُ

كأميرةٍ مسحورةٍ وأميرُها قيدَ الصَّنَم

مَلَّتْ بِنا أصفادُنا

ياطولَ غُربَتِنا ويا طولَ الرُّقاد

هنا بغداد

..

تلكَ القصيدةُ في فمِ الأزمانِ تحبَلُ بالرِّثاء

تجري بحورُ الشِّعرِ خلفَ قميصِها، وبِلا رِداء

ومحابرُ الأُدَباءِ جَفَّتْ فَوقَها،

وما جفَّ بعدُ الأُدَباء

وعلى يديها كم تكفَّنَ عاشِقٌ

وكم تكفَّنَ أدعياء

هي لا يموتُ الحُرُّ فيها

ليس بالإعدِامَ

لا بالشَّنقِ

لا بالكهرُباء

لا يموتُ بها تُراثُ الكِبرِياء

لا يموتُ بِها الوفاء

لايموتُ بها الخُزامى

ولا تُعَدُّ الأنبياء

لا يموتُ بها سوى ضوءُ القمر،

والأبرِياء

لكن هُنا،

وفقط هُنا،

دوماً سيولَدُ كلَّ عامٍ سندباد

هنا بغداد

دمشق 9\4\2009

5 comments:

Anonymous said...

أكلت يوم اكل الثور الأبيض

هنا غزة
هنا فلسطين

Haider alSoodanee alIraqi said...

أمّا أنا .. فلستُ هنا , ولا هناك , ألا ليتَ شعري , ألا لـــــــيتَ شعري

Khaldoun Ltieff Nassier Hussien said...

بغداد اوجعت ومابرحت مع الالم تنبض رفيقاها الهم والسؤدد عشاقها مغول وتتر والتأريخ يكتب سنت على الدنيا حسنتها ان لاتموت وسيموت كل غاصب متمرد

Anonymous said...

نشوة السعادة
ومنتهى الفخر
وحرقة القلب
وحميم من العيون لا دموع
و حب أزلي عميق

لا أعلم أي شعور يسبق الآخر

لكنها والله مجتمعة

لطفك يا حبيبتي

فلهيب الشوق أضناني
أيا بغداد رحماك


اخي حيدر:

كانت هذه احدى أجمل قصائدك
سواءً فنيا أو نفسيا أو اجتماعيا

سدد الله سهام قلمك

reem

Haider alSoodanee alIraqi said...

خلدون ... ريم ... ما أسعدني بتعليقاتكم فعلاً , أتمنى الإستمرار و المواكبة

شكراً للمرور