حينما قرأتُ يوماً ذينكَ البيتينِ لأبي فراس الحمداني:
أراكَ عَصـيَّ الدَّمــعِ شـيمتُكَ الصَّبرُ |
أما للـهــوى نهيٌ عليكَ ولا أمــــرُ؟ |
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى |
وأذللتُ دمعاً من خلائـــقهِ الكِــبـْـرُ |
***
هالني وجدٌ إلى قلمي، وكأنَّهما ما مرّا بي من قبلُ قط، فوجدتُني أنشده:
|
نهاني الهــوى للقطـفِ مـا أيـنعَ الزهــــرُ |
وأسهرَ جنحَ الليلِ في خاطري السِّــحـرُ |
وأورقَ بطنُ الصخـرِ من ريـــقِ مَدمَعي |
وجفَّ من الأهـوالِ في خــافِقي الصَّبرُ |
فأوشى منَ النَّظراتِ ما كنتُ مُــــدرِكاً |
وأغدرُ من ذا العشـــــقِ ما أدركَ الغَــدرُ |
فإن كانَ قَــولُ الحُــــرِّ وعــداً مَــديــــنُــهُ |
فكيــفَ وعــودُ العـينِ والنَّظرةُ البِــكــرُ! |
إذا الليــل أضــواني نَكَــرتُ لهُ الهـــــوى |
لأقــتُلَــــــه ذكـــرى ويجتـــــازهُ الصَّــــدرُ |
رمــيتُ بقـايا العشقِ في باحـةِ الصــدى |
وعِــفتُ بقـايــا الشــوقِ يغتالُـهــا كِــبْــرُ |
تخالــسُ مِنِّي النَّفـــــسُ في بعضِ ذكـــرهِ |
ولكنَّ صوتَ الصمـتِ في ذكـرهِ جَهـرُ |
وتجثــــو بطـــرفِ الروحِ أطــرافُ ثــوبهِ |
فتُثقِـــلُ في الجــنـبـينِ ما أثقـــلَ الصَّخـــرُ |
أُعــــانِدُ مِـلءَ المـــــوتِ أيّـــــامَ هَـــــجـرِهِ |
وشـــهرٌ يلوكُ الصــــبرَ من بعـدهِ شـــهرُ |
تناسيــتُ بينَ النـاسِ في الحبِّ حُـــرقَتي |
وأشغَـــلَ ما في القلــــبِ عن قلــبهِ أمـــرُ |
وَعُـــدتُ هــــشيـمَ العُـمْرِ أقتـاتُ غُربَتي |
وأسلــــمَ منِّي الوجدُ ما أقـلـــقَ الدَّهــــرُ |
ترانـــي عــصـيَّ الدمــعِ لكــنَّ شَـــهـقَتي |
تَمــَلْمَــلَ مِــنها اللــيلُ واثــّــاقلَ الفــجـرُ |
وأوغَــلَ عُــمقُ الهَجرِ في باطنِ الرحـــى |
فلاذَ شــريدَ الطـحنِ من خــوفهِ الهَجـــرُ |
إذا اللـــيـلُ أضـــواني تجشَّــمــتُ أضلُعي |
لقلبي كـــزنـــزانــةٍ بقُضبانِـــهـــا عُـــــذرُ |
تراختْ لذاكَ العشقِ في الرِّيحِ خُطـوتي |
وروَّضَ ما في القلــبِ من خـطبهِ أســـرُ |
فلا الشوقُ قبلَ الفجرِ قد عـــادَ قـــاتلي |
ولا من بقـــايـــا الجــــيدِ يشتــاقُهمْ عطرُ |
هجرتُ حصـونَ العشقِ من بعدِ زيفِهِم |
وعِفتُ زوايـــا الأفــقِ واشـــتاقني البحرُ |
تــرانــي عــصيَّ الدمـعِ والطعنُ خِلسَتي |
ويرســـمُ طــولَ الجُــرحِ من نزفِهِ الحـبرُ |
فأبلغُ من ذا الصمـــتِ ما أرَّقَ الهـــوى |
وأصدقُ من ذا العشقِ ما أوجسَ النَّحرُ |
وأوسعُ من ذي العــينِ ما طابَ مسكنٌ |
وادفئُ من ذا القلـــبِ ما دثــَّــــرَ الجــمرُ |
وأســـرفُ من ذا الوجـــدِ ما منَّ قيصــرٌ |
وأجمـــلُ من ذا الوصـفِ ما سطَّرَ الشِّعرُ |
وإن كان بعضُ البـــيضِ قد نِلـنَ أحرفي |
بأشهى منَ الأبيـــاتِ ما هــزَّني السُّـمـرُ |
دمشق 13\10\2010 |
No comments:
Post a Comment