Wednesday, May 25, 2011

تراني عـَــصيَّ الدمــــــع

حينما قرأتُ يوماً ذينكَ البيتينِ لأبي فراس الحمداني:


أراكَ عَصـيَّ الدَّمــعِ شـيمتُكَ الصَّبرُ

أما للـهــوى نهيٌ عليكَ ولا أمــــرُ؟

إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى

وأذللتُ دمعاً من خلائـــقهِ الكِــبـْـرُ

***


هالني وجدٌ إلى قلمي، وكأنَّهما ما مرّا بي من قبلُ قط، فوجدتُني أنشده:

نهاني الهــوى للقطـفِ مـا أيـنعَ الزهــــرُ

وأسهرَ جنحَ الليلِ في خاطري السِّــحـرُ

وأورقَ بطنُ الصخـرِ من ريـــقِ مَدمَعي

وجفَّ من الأهـوالِ في خــافِقي الصَّبرُ

فأوشى منَ النَّظراتِ ما كنتُ مُــــدرِكاً

وأغدرُ من ذا العشـــــقِ ما أدركَ الغَــدرُ

فإن كانَ قَــولُ الحُــــرِّ وعــداً مَــديــــنُــهُ

فكيــفَ وعــودُ العـينِ والنَّظرةُ البِــكــرُ!

إذا الليــل أضــواني نَكَــرتُ لهُ الهـــــوى

لأقــتُلَــــــه ذكـــرى ويجتـــــازهُ الصَّــــدرُ

رمــيتُ بقـايا العشقِ في باحـةِ الصــدى

وعِــفتُ بقـايــا الشــوقِ يغتالُـهــا كِــبْــرُ

تخالــسُ مِنِّي النَّفـــــسُ في بعضِ ذكـــرهِ

ولكنَّ صوتَ الصمـتِ في ذكـرهِ جَهـرُ

وتجثــــو بطـــرفِ الروحِ أطــرافُ ثــوبهِ

فتُثقِـــلُ في الجــنـبـينِ ما أثقـــلَ الصَّخـــرُ

أُعــــانِدُ مِـلءَ المـــــوتِ أيّـــــامَ هَـــــجـرِهِ

وشـــهرٌ يلوكُ الصــــبرَ من بعـدهِ شـــهرُ

تناسيــتُ بينَ النـاسِ في الحبِّ حُـــرقَتي

وأشغَـــلَ ما في القلــــبِ عن قلــبهِ أمـــرُ

وَعُـــدتُ هــــشيـمَ العُـمْرِ أقتـاتُ غُربَتي

وأسلــــمَ منِّي الوجدُ ما أقـلـــقَ الدَّهــــرُ

ترانـــي عــصـيَّ الدمــعِ لكــنَّ شَـــهـقَتي

تَمــَلْمَــلَ مِــنها اللــيلُ واثــّــاقلَ الفــجـرُ

وأوغَــلَ عُــمقُ الهَجرِ في باطنِ الرحـــى

فلاذَ شــريدَ الطـحنِ من خــوفهِ الهَجـــرُ

إذا اللـــيـلُ أضـــواني تجشَّــمــتُ أضلُعي

لقلبي كـــزنـــزانــةٍ بقُضبانِـــهـــا عُـــــذرُ

تراختْ لذاكَ العشقِ في الرِّيحِ خُطـوتي

وروَّضَ ما في القلــبِ من خـطبهِ أســـرُ

فلا الشوقُ قبلَ الفجرِ قد عـــادَ قـــاتلي

ولا من بقـــايـــا الجــــيدِ يشتــاقُهمْ عطرُ

هجرتُ حصـونَ العشقِ من بعدِ زيفِهِم

وعِفتُ زوايـــا الأفــقِ واشـــتاقني البحرُ

تــرانــي عــصيَّ الدمـعِ والطعنُ خِلسَتي

ويرســـمُ طــولَ الجُــرحِ من نزفِهِ الحـبرُ

فأبلغُ من ذا الصمـــتِ ما أرَّقَ الهـــوى

وأصدقُ من ذا العشقِ ما أوجسَ النَّحرُ

وأوسعُ من ذي العــينِ ما طابَ مسكنٌ

وادفئُ من ذا القلـــبِ ما دثــَّــــرَ الجــمرُ

وأســـرفُ من ذا الوجـــدِ ما منَّ قيصــرٌ

وأجمـــلُ من ذا الوصـفِ ما سطَّرَ الشِّعرُ

وإن كان بعضُ البـــيضِ قد نِلـنَ أحرفي

بأشهى منَ الأبيـــاتِ ما هــزَّني السُّـمـرُ


دمشق 13\10\2010

No comments: